إن وقوع خطأ من الطبيب وحصول ضرر للمريض، لا يعني قيام
مسؤولية الطبيب ما لم يكن الضرر الذي أصاب المريض ناتجاً عن خطأ الطبيب كنتيجة
طبيعية له ومرتبطاً به ارتباطاً مباشراً برابطة يطلق عليها ( العلاقة السببية )
وهي ركن أساسي في المسؤولية... فقد يقع خطأ من الطبيب ويتحقق ضرر للمريض ولكن لا
توجد علاقة سببية بين الخطأ والضرر فلا يمكن في هذه الحالة مساءلة الطبيب وذلك
لانتفاء العلاقة السببية وهو ركن مستقل عن ركن الخطأ. ومثال ذلك إذا أهمل الطبيب
تعقيم أدواته أثناء تضمين الجرح، ويموت المريض بنوبة قلبية لا ترتبط بخطأ الطبيب
الذي ارتكبه فإن الطبيب لا يسأل عن الضرر الذي حاق بالمريض نظراً لانتفاء العلاقة
السببية.
إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة دائماً نظراً إلى أن تحديد
العلاقة السببية هو أمر بالغ الصعوبة والتعقيد ويجب على المحكمة التحري والقيام به
قبل إصدارها الحكم على الطبيب بالتعويض والعلاقة السببية في الخطأ العادي للطبيب
أسهل مما هو في حال كان الخطأ مهنياً.
نظراً لأن الخطأ العادي يأتي بوقائع ناطقة لا لبس فيها ولا
غموض مثل نسيان أدوات جراحية أو قطع شاش أو ضماد في بطن المريض، وهو ما ينتج عنه
أضراراً تكون فيها العلاقة السببية متحققة وتستطيع المحكمة الوقوف عليها بسهولة
ويسر. أما في حال الخطأ المهني فالأمر يتعذر على المحكمة إثبات العلاقة السببية
إلا بعد الاستعانة بالخبرة الفنية الطبية المختصة بسبب الطبيعة الغامضة والمعقدة
للجسم البشري. وكثيراً ما تكشف الصفة التشريحية عيوباً جسمية خفية لا يمكن للطبيب
معرفتها أو إعطاء الرأي القاطع بها.. ولعلَّ خير مثال ذلك ما نظر به القضاء المصري
في قضية تتلخص وقائعها أن طبيب الصحة المدرسية كشف على أحد الطلاب للنظر في إعفائه
من ممارسة الألعاب الرياضية. فقرر أن قلبه سليم ولا يوجد سبب لإعفائه. وذات يوم
وبينما كان الطالب يقوم بالتمرينات الرياضية سقط مغشياً عليه وفارق الحياة. وقرر
الطبيب الشرعي بعد تشريح الجثة أن الطالب كان عنده استعداد للوفاة الفجائية من
الحالة اللمفاوية المصاحبة لثقب بيضاوي في القلب وأنه من الممكن أن تكون الوفاة قد
نشأت عن هذه الحالة المرضية فقط دون أن يكون للألعاب الرياضية دخل في حدوثها، فقضت
المحكمة حيال ذلك بإعفاء الطبيب من كل مسؤولية.
فالمحكمة في مثالنا الآنف الذكر ما كان لها أن تحكم إلا بعد
أن تتحرى عن الحقيقة من خلال خبرة الطبيب الشرعي، وهنا يبرز السؤال ماذا لو اجتمعت
عدة أخطاء في تحقيق النتيجة السيئة للمريض ؟؟ فقد يكون ثمة خطأ من المريض.. أو قد
يتعاقب أطباء عديدون على معالجة المريض.. أو أن لا ينتج العلاج أثره وذلك بسبب قوة
التحمل التي تختلف من إنسان إلى آخر أو إذا تعدد محدثوا الضرر أو إذا كان الضرر
الذي أحدثه الطبيب للمريض قد أفضى إلى ضرر ثان والضرر الثاني أفضى إلى ثالث فهل
تكون مسؤولية الطبيب عن كل هذه الأضرار أم عن إحداها ؟؟ وما هو المعيار الذي يعتمد
للتحقق من العلاقة السببية ؟؟
أخذ المشرع بنظرية تكافؤ الأسباب ومفادها أن يتم البحث بين
الأسباب عن السبب الذي لولا وقوعه لما وقع الضرر، فإذا ساهمت أحداث عديدة في وقوع
الضرر كلاً بنصيب فإنها تعتبر جميعاً متساوية أو متكافئة في إحداثه بحيث يتحمل
مرتكبوها جميعاً المسؤولية ولا يجوز تخفيف المسؤولية بحجة تعدد الأسباب إلا في
حالة واحدة هي الحالة التي يكون فيها خطأ المضرور احد هذه الأسباب.
وتنتفي العلاقة السببية بين خطأ الطبيب والضرر الذي لحق
بالمريض إذا كان هناك سبب أجنبي عن المدعى عليه.. والسبب الأجنبي هو كل فعل أو
حادث لا ينسب إلى إرادة المدعى عليه وليس من المتوقع حصوله ويستحيل عند وقوعه
تحاشي الضرر.
كما تنتفي العلاقة السببية
أيضاً في حال وقوع خطأ من المريض المتضرر إذا كان فعله هو السبب الوحيد في إحداث
الضرر.. فعندما يخالف المريض تعليمات الطبيب وتحذيراته فإنه يرتكب خطأ ينفي
العلاقة السببية. أما إذا اشترك المريض والطبيب المدعى عليه بالخطأ في إحداث الضرر
وتوفرت علاقة سببية بين خطأ كل منهما بحسب جسامة خطأه، فإن المسؤولية ترفع عن
الطبيب إذا اتصف خطأ المريض بأحد وصفين :
1- أن يكون هذا الخطأ عمدياً.
2- أن يكون هذا الخطأ جسيماً بحيث يستغرق خطأ المدعى عليه كما لو أن المريض ارتكب خطأ يرمي من ورائه الانتحار فإن المسؤولية في هذه الحالة ترفع عن الطبيب لأن خطأ
1- أن يكون هذا الخطأ عمدياً.
2- أن يكون هذا الخطأ جسيماً بحيث يستغرق خطأ المدعى عليه كما لو أن المريض ارتكب خطأ يرمي من ورائه الانتحار فإن المسؤولية في هذه الحالة ترفع عن الطبيب لأن خطأ
منقول
0 التعليقات:
إرسال تعليق